السبت، 11 يونيو 2022

تلخيص كتاب نقطة التحول

 


     


    اسم الكتاب : نقطة التحول 

    دار النشر : الدار العربية للعلوم 

     

    " نقطة التحول هي تلك اللحظة السحرية التي تجتاز فيها فكرة أو تيار أو سلوك اجتماعي عتبة معينة وتتحول وتنتشر مثل النار المستعرة."

    الكاتب: مالكولم غلادويل  



    تحدث الكاتب عن مفهوم العدوى وطرح سؤالا جوهريا عماذا لو كانت الكلمات والأفكار والموضوعات وغيرها من الأمور تصيب الأشخاص بعدوى كما يصيب المرض المعدي؟

     

    • الفصل الأول: 

    ‏تحدث الكاتب في الفصل الأول عن القواعد الثلاث للأوبئة وهي:

    ١-  الأقلية (عبارة عن مجموعة صغيرة من الأشخاص الاستثنائيين)  

    ٢- الالتصاق (أي أن تلتصق الفكرة أو الرسالة بعقلك) 

    ٣-  قوة السياق ( الظروف والحالة و مكونات البيئة المحيطة) 

    القصص والتجارب المذكورة في هذا الفصل :

    • قصة كيتي جينوفيز وتجربة نوبة الصرع:  

     اُستنتج من التحليل النفسي لقصة كيتي الفتاة التي اُعتدي عليها وسط عدد من الشهود العيان ولم يبلغ أياً منهم الشرطة إلا بعد انقضاء فترة من الزمن مما أدى إلى وفاة الفتاة بالإضافة إلى تجربة أجراها لاتان ودارلي لقياس تأثير وجود الفرد داخل مجموعة على تصرفه حيث طلب الباحثان من تلميذ أن يمثل بأنه أصيب بنوبة صرع، وراقبا ردود فعل الأشخاص حينما يكونون لوحدهم مع التلميذ في الغرفة، وحينما يكونون برفقة شخص آخر، وحينما يكون هناك مجموعة من الأشخاص بأن مسؤولية التصرف تتوزع حينما يكون الأشخاص ضمن مجموعة، فكل منهم يفترض أن شخصاً آخر سيجري الاتصال أو يقدم المساعدة. وقد نوقشت هذه القصة كثيراً ويمكن البحث عنها للاستزادة من التحليلات النفسية. واستشهد الكاتب بهذه النتائج ليبين بأن تغيير التفاصيل الصغيرة في الوضع المباشر هو الأساس في دفع الناس لتغيير سلوكهم فالبشر حساسون جداً تجاه البيئة المحيطة بهم ( قوة السياق). 

     

    • الفصل الثاني:

    ‏تحدث الكاتب في الفصل الثاني عن قانون الأقلية وحصره في ثلاث مجموعات من الأشخاص:

    ١-  الموصلون : أشخاص ينتمون للعديد من المجموعات ذات الاهتمامات والطبقات المختلفة ويعرفون الكثير عن مختلف الأشخاص؛ لذا يملكون مهارة جمع العالم معاً. وهذا النوع من الأشخاص يمكن الوصول إليه من خلال عدد قليل من أشخاص آخرين نعرفهم وذلك لاتساع دائرة معارفهم فهم كما ذكر الكاتب منخرطون في العديد من العوالم، والثقافات، والمستويات المختلفة. 

    ٢- أصحاب المعرفة: أشخاص يملكون كم هائل من المعلومات ويحبون مساعدة الآخرين. وما يميز هؤلاء ليس كثرة المعلومات التي يملكونها إنما الطريقة التي ينقلون بها هذه المعلومات. 

    ٣- البائعون: أشخاص لديهم قدرة على الإقناع. 

    بعض القصص والتجارب المذكورة في هذا الفصل :

    • تجربة قياس تنوع وحجم مجموعات الأصدقاء لدى الأفراد (مثال علـى الموصلون):  

    طلب عدد من علماء النفس في إحدى الدراسات من أشخاص يعيشون في مجمع سكني شعبي أن يذكروا اسم الصديق الآقرب إليهم في المكان الذي يسكنون فيه. أظهرت النتائج أن ٨٨٪ من الأصدقاء المُختارين كانوا يعيشون في المبنى نفسه، ونصف هؤلاء يعيشون في الطابق نفسه. فتبين أنه على الرغم من أن معظم الأشخاص يختارون أصدقاءهم من العمر والعرق نفسه، إلا أن قرب الشخص يتفوق على هذه المعايير ( القريب من العين قريب من القلب =) ). فنحن غالباً لا نسعى وراء الأصدقاء، بل نتصادق من الأشخاص الذين يحتلون المساحات الصغيرة نفسها التي نحتلها. وعلى الرغم من أهمية هذه الروابط القوية في حياتنا، إلا إن الروابط الضعيفة ( العلاقات السطحية مع مختلف الأشخاص من مختلف الأماكن والخلفيات ) تكون أكثر أهمية حين يتعلق الأمر بالعثور على وظائف وفرص ومعلومات جديدة. فأصدقاؤنا يتواجدون في نفس عالمنا، وقد يعملون معنا، أو يسكنون بقربنا حتى. لذا، كم عدد الأشخاص الذين يعرفونهم أو المعلومات التي يعرفونها ولا نعرفها نحن؟ لهذا يقال كلما ازداد عدد معارفك، أصبحت أكثر قوة. وهذا ماهم عليه فئة الموصلون

    • مارك ألبرت (مثال على أصحاب المعرفة): 

    مارك ألبرت رجل يبلغ من العمر ٥٠ عاماً، وهو شخص لديه معلومات عن الكثير من الأمور. التقى به الكاتب عن طريق برايس وهي أستاذة تسويق ورائدة في البحث عن أصحاب الخبرة. حينما التقيا في أحد المطاعم لتناول الغداء والحديث، سأله الكاتب عن الطريقة التي يتبعها في عند رغبته بشراء شيء ما. بدأ ألبرت بالحديث عن سبب اشتراكه بالتليفزيون الكابل بدل الصحن، وأخبره عن تفاصيل الأخبار المذكورة في دليل السينما، كما أعطاه اسم الشخص الذي يجب الاتصال به في حال رغبته بإجراء صفقة ممتازة لاستئجار مكان في فندق بارك سنترال. بالإضافة إلى ذلك نصحه بعدم اقتناء سيارة أودي وشرح له سبب ذلك بالتفصيل. كما أعطاه أنواع بديلة لها وتحدث عن امتيازاتها. وانتقل بعدها لحديثه عن تجربته لشراء تلفيزيون جديد وكيف قضى عدة أشهر لفعل ذلك. لو عشنا على سبيل المثال تجربة ألبرت لشراء جهاز تلفاز جديد وإجراء المقارنات لكل التفاصيل الصغيرة جداً لوجدنا الأمر جهنمياً ولا نستطيع تحمله. لكن ألبرت وأمثاله من أصحاب المعرفة هم من يهتمون بقراءة تقارير المستهلك بانتظام. وهم من يراسلون الجهات المختصة لتصحيح المعلومات فيها. وعلق الكاتب على ألبرت بـ " لا بد من القول أن ألبرت ليس شخصا بغيضا يعرف كل شيء، رغم سهولة تصوره كذلك. وحتى ألبرت يدرك ذلك فقد أخبرني ألبرت : " … يمكن فهم هذه الرغبة في إسداء خدمة للآخر والتأثير به بطريقة خاطئة. لأنك قد تصبح مزعجاً…. ففي بعض المواقف عليك إن تتذكر أن هذا قرارهم، وهذه حياتهم." " 

    هؤلاء هم أصحاب المعرفة. حافزهم التثقيف والمساعدة وعدم الإجبار على القيام بشيء ما. لذا لا يهتمون كثيرا - وقد لا يكونون بارعين - في إقناعك.

    "في الوباء الاجتماعي، يعتبر أصحاب المعرفة قواعد المعطيات، لأنهم يوفرون الرسالة، والموصلون هم الغراء الاجتماعي لأنهم ينشرونها. لكن هناك مجموعة مختارة من الآشخاص ( البائعون) يملكون مهارات لإقناعنا حينما نكون غير مقتنعين بما نسمعه."

    • طوم غو ( مثال على البائعون) : 

     طوم غو رجل في العقد الرابع من عمره، يملك أكبر شركة تخطيط مالي ويجني سنوياً ملايين الدولارات. التقى الكاتب بطوم بناءً على توصية عالم النفس السلوكي دونالد مواني الذي كتب كثيراً حول الإقناع ووصف طوم بأنه "فاتن". وصف الكاتب لقاءه بطوم وشخصيته وطريقة كلامه ولغة جسده بشيء من التفصيل، كما علق على أسلوبه بـ " يستطيع طوم - لو أراد- أن يبيعك أي شيء تقريباً. يبدو وكأنه يملك ميزة يصعب تعريفها، شيئاً قوياً، ومعدياً، ولا يقاوم، يتخطى ما يخرج من فمه، يجعل الأشخاص الذين يلتقون به راغبين في الموافقة معه." . و تطرق الكاتب للحديث عن فكرة تناغم الإيقاع أثناء الحديثفقد يبدأ الحديث بأنماط مختلفة ولكنه سرعان ما يصل إلى أرضية مشتركة بين المتحدثين، وغالباً ما تجذب الشخصية القوية المقنعة الآخرين لإيقاعها كما حدث مع الكاتب أثناء حديثه مع طوم. 

     - تجربة سماعات الرأس ، ومذيعي الأخبار: 

     ذكر الكاتب عدد من الدراسات والتحليلات النفسية  لمفهوم وطرق الإقناع. وطرح تساؤلاً عما الذي يجعل أشخاص معينيين أو أمور محددة مؤثرة في حياتنا؟ وطرح عدة نقاط للإجابة عن هذا السؤال مستنداِ على نتائج وتحليلات التجارب التي ذكرها: 

    ١- للأشياء الصغيرة تأثير كبير لأنها رقيقة ومغرية بشكل يصعب مقاومته. 

    ٢- قد تكون للتلميحات الغير شفوية ( ككيفية قولنا للأشياء) آهمية أكبر مما نقوله. ويكون هذا الأمر ملحوظاً مثلاً في نبرة الصوت. 

    ٣- للغة الجسد، والإيماءات البسيطة والتي قد لا تكون ملحوظة بشكل كبير تأثير في  كيفية شعور المتلقي وتفكيره. 

    ٤- غالباً ما ينجح الإقناع بطرق لا نقدرها، مثل الابتسامة. =) 

    وذكر الكاتب مفهوم العاطفة المعدية وبأننا كبشر نقلد عواطف بعضنا البعض كطريقة للتعبير عن الدعم والاهتمام والتواصل. كما علق على مفهوم العاطفة المعدية بـ  "نحن نظن أن التعابير على الوجه غالباً هي انعكاس لحالتنا الداخلية. فعندما أشعر بالسعادة ابتسم. وعندما أشعر بالحزن أقطب. فالعواطف تتجه من الداخل للخارج. إلا أن العدوى العاطفية توحي بأن العكس صحيح أيضاً. فإذا استطعت جعلك تضحك، أستطيع جعلك سعيدًا. وإذا استطعت جعلك تقطب وجهك، أستطيع جعلك حزيناً. العواطف في هذا الصدد تنتقل من الخارج للداخل." 

     

     

    • الفصل الثالث: 

    يتمحور موضوع الفصل الثالث حول عامل الالتصاق وأهميته، وقد ذكر الكاتب بعض تلك العوامل التي نستخدمها بشكل تلقائي مثل: تأكيد الكلام، ورفع الصوت، وتكرار الحديث. وكما يتضح، فإن معظم عوامل الالتصاق تكون صغيرة وتافهة ظاهرياً ولكنها تساهم (بشكل لا محسوس تقريباً) في عملية الصاق الأفكار والأحاديث بشكل كبير. وفي عصر المعلومات الحالي، تواجه عملية الالتصاق بعض المشاكل لكثرة المعلومات التي نتلقاها، بالإضافة إلى انخفاض وقت عرضها. 

    وذكر الكاتب عدد من التجارب والقصص المثيرة في هذا الفصل، مثل تجربة التوعية بلقاح الكزاز، وفكرة الصندوق للتسويق، وقصة برنامج عالم سمسم، وبرنامج تلميحات بلو،وتجربة قصصيون في المهد. وسأكتفي هنا بذكر قصتي برنامج شارع سمسم (والذي يعرف لدينا بافتح يا سمسم)، وتلميحات بلو. 

    • برنامج شارع سمسم، وتلميحات بلو:   

    بدأ إنتاج برنامج شارع سمسم في أواخر الستينات من القرن العشرين بإشراف المنتجة جوان غانز كوني، والتي كانت تستهدف من خلال هذا البرنامج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاث والخمس سنوات لرغبتها في نشر المعرفة والقراءة والكتابة بينهم ( خاصة الأطفال المنتمين إلى عائلات فقيرة لإعطائهم فرصة التطور حينما يبدأون المدرسة الابتدائية)، بالإضافة إلى نشر ثقافة التعليم من المشاهدين إلى غير المشاهدين وذلك من خلال التلفاز الذي كان بدوره وسيلة العدوى في تلك الفترة. طلبت كوني من عالم النفس في جامعة هارفارد جيرالد ليسير الانضمام إلى فريق العمل بالإضافة إلى عدد من العقول المبدعة في المجالات المختلفة. بعد عدد من التجارب التي ذكرها الكاتب بشيء من التفصيل في الكتاب، اكتشف فريق العمل عدد من الأمور التي تساهم في جذب والصاق المعلومات لدى الأطفال، منها: 

    ١-  لا يشاهد الأطفال التلفاز وقت نشاطهم (بعكس الكبار) ويتوقفون عند ضجرهم، بل هم ينجذبون للمشاهدة حينما يفهمون ما يشاهدونه وينصرفون عنه حينما يرتبكون.

    ٢- لدمج الخيال بالواقع قوة جذب كبيرة للأطفال، بعكس ماكان يُعرف في ذلك الوقت من قبل المختصين الذين أوصوا بعدم الدمج لأنه يربك الطفل. 

    ٣- توصل فريق العمل من خلال اختبار مقاطع تمارين المزج البصري من قبل باحثين من جامعة هارفارد أن لمكان عرض الصور والكلمات ومدة العرض أهمية كبيرة في عملية الانتباه والتصاق المعلومات في ذهن الطفل. 

    ٤- يواجه الأطفال مشكلة في مفهوم امتلاك الشيء/ الشخص أكثر من كلمة للتعريف عنه. وقد توصل فريق العمل لهذا الاستنتاج من معدلات الارتباك والانصراف التي سُجلت لدى الأطفال أثناء عرض حلقة كان الطائر الكبير يبحث فيها عن اسم آخر لنفسه لأن اسم الطائر الكبير يعتبر وصفاً لشكله أكثر من كونه اسماً مميزاً له، فهو الوحيد من بين أصدقائه الذي لا يملك اسماً إنما وصفاً. هذا النوع من التلاعب بالكلام لا يفهمه الأولاد الصغار إنما يربكهم. فالأطفال في بداية تعلمهم للغة يواجهون مهمة تعيين كلمة لكل شيء في العالم، فهم يعرفون يقيناً أن الكلب مختلف عن الفيل. فكل كلمة جديدة تجعل معرفة الولد للعالم أكثر دقة. لذا يواجه الأطفال في هذه السن المبكرة مشاكل مع الأشياء التي تمتلك اسمين أو الأشياء التي تتغير أسماؤها. 

     

    إذا انتبهت جيدًا إلى هيكلية المادة وبنيتها، يمكنك تعزيز الالتصاق كثيرًا." هذه هي وصية شارع سمسم. ولكن هل يمكن إنتاج برنامج آخر أكثر التصاقاً من شارع سمسم؟ هذا ما حاول ٣ منتجين من شبكة نيكلوديون ( أحدهم كان يعمل مع فريق أنتاج شارع سمسم) معرفته بعد ٣ عقود من إنتاجه. ترك كيسلر العمل مع فريق انتاج شارع سمسم لعدم اقتناعه ورضاه بالإيقاع السريع للبرنامج، فلطالما آمن بأن للأطفال القدرة على الانتباه لوقت طويل. لذا عمل مع فريق الإنتاج الجديد على برنامج "تلميحات بلو" . وقد قارن الكاتب بين البرنامجين، وسأذكر المقارنة في هذا التلخيص كنقاط ليسهل الربط بينها: 

    ١- فكرة البرنامج : لا يضم برنامج بلو مجموعة من الممثلين كبرنامج شارع سمسم، إنما يضم ممثل واحد وهو ستيف مقدم البرنامج. وتعتمد كل حلقة على قصة معينة. 

    ٢- مدة البرنامج: يمتد برنامج تلميحات بلو لنصف ساعة وهي نصف مدة برنامج شارع سمسم (ساعة كاملة). 

    ٣- وتيرة البرنامج: سيناريو البرنامج مجزأ بطريقة مدروسة ومجزأ بفواصل طويلة، بعكس شارع سمسم الذي كانت تتألف الحلقة النموذجية فيه من أربعين مقطع منفصل على الأقل لا يتعدى كل منها ٣ دقائق تقريباً وذلك لاعتقادهم بأن الأطفال لا يملكون القدرة لاستيعاب المقاطع الطويلة. 

    ٤- شخصيات البرنامج: كل شخصية من الشخصيات تملك اسم يدل عليها، فهناك شخصية الدلو واسمها دلو، وصندوق البريد واسمه صندوق البريد، ونجم البرنامج اسمه بلو ولونه أزرق. 

    ٥- الفئة المستهدفة: استهدف برنامج تلميحات بلو الأطفال بشكل كامل، بعكس برنامج شارع سمسم الذي حاول الجمع بين الكبار والصغار في برنامجه، لذلك يملك البرنامج بعض المقاطع التي لا يفهمها الأطفال مطلقاً، وهذا ما جعل لبرنامج تلميحات بلو تأثير أكبر على الأطفال. 

    ٦- مشاركة المشاهدين: عمل فريق برنامج تلميحات بلو على زيادة مشاركة الأطفال، فقد لاحظوا من خلال تجربة شارع سمسم بأن عملية الالتصاق وزيادة نسبة تذكر الشيء تزيد كلما اشترك المزيد من الأطفال في مشاهدة شيء ما سواء جسدياً أو فكرياً. 

    ٧- التكرار: كان لشارع سمسم بعض المقاطع التي يتكرر فيها نطق حرف، أو كلمة ما، وتوصل فريق العمل من خلال دراسة وتحليل هذه المقاطع إلى أن الأطفال يحبون التكرار لأنه يجعلهم يختبرون الشيء كل مرة بطريقة مختلفة بعكس البالغين الذين يرون التكرار أمراً مزعجاً. وقد استفاد فريق تلميحات بلو من هذا الأمر، فاعتمدوا عرض حلقة واحدة كل أسبوع تتكرر بشكل يومي لمدة ٥ أيام، وكانت النتيجة مذهلة في زيادة تذكر الملعومات لدى الأطفال واستعيابهم لها. فالأطفال بعكس البالغين لا يبحثون عن الغرابة في بداية حياتهم، إنما يبحثون عن الفهم والقابلية بالتنبؤ وهذا ما يمنحهم أياه التكرار. ( الشعور بالتوكيد والقيمة الذاتية). 

    ويجب التنويه بأن ما يتكرر على الطفل لابد من أن يكون معقداً كفاية (يجب أن لا يكون معقد بطريقة مربكة لهم) ليسمح بمستويات أعمق وأعمق من الفهم خلال التكرار. 

    • مشروع قصصيون من المهد: 

    ركز هذا المشروع على طفلة في الثانية من العمر تُدعى إميلي. لاحظ والدا إميلي أن ابنتهما تتحدث إلى نفسها يومياً قبل النوم فوضعا مسجلة بجانب سريرها للاستماع إلى ما تتحدث به. استمر ذلك لمدة سنة و٣ أشهر. ضمت هذه التسجيلات محادثات إميلي مع نفسها، ومع والديها، وحُللت من قبل فريق بحثي مكون من علماء اللغة وعلماء النفس من جامعة هارفارد. غيرت نتائج هذا المشروع العديد من المفاهيم والآراء حول الأطفال. لاحظ العلماء أن مستوى المفردات، وتركيب الجمل، واللغة بشكل عام يتحسن بشكل كبير جداً حينما تتحدث إميلي مع نفسها أكثر من حديثها مع والديها. كما كانت تؤلف القصص في محاولة منها لدمج الأحداث، والتصرفات، والمشاعر في تركيبة واحدة، وهي جزء أساسي مهم في عملية النمو الفكري للطفل. كما لاحظ فريق العلماء بأن إميلي تستخدم التشديد اللفظي، وإطالة الكلمات الأساسية، وكأنها تريد التشديد على أنها تملك كل شيء "تحت السيطرة". ولهذا دليل على الأهمية الروائية لدى الطفل، بعكس ماكان يعتقد العالم بياجيه، وهو ما أخذ به برنامج شارع سمسم. فحسب علماء النفس الآن، فإن الرواية هي الطريقة الوحيدة للطفل لتنظيم العالم، والتجارب، لعدم قدرتهم على استيعاب النظريات التي تنظم الأشياء وفقاً للسبب والتأثير والعلاقات. ويعتمد الأطفال على القصص كمحاولة لفهم حياتهم، ويستخدمون قصة تجربتهم كأساس للتفكير المستقبلي. ولابد من أن تكون التركيبة الروائية مفهومة لديهم حتى يتمكنوا من تذكرها جيداً. 

     

    • الفصل الرابع والخامس: 

    تناول كل من الفصلين الرابع والخامس موضوع قوة السياق وهو ما يتمحور حول مفهوم حساسية الأوبئة ( والأفكار والمواضيع ) للحالات والظروف في الأوقات والأماكن التي تنشأ/ تحدث فيها. فالبيئة المحيطة تؤثر بشكل أساسي وكبير على سلوك الأشخاص. واستدل الكاتب على ذلك بنظرية النافذة المكسورة. 

    • نظرية النافذة المكسورة: 

    توصل عدد من الاختصاصيين في علم الجريمة لنظرية النافذة المكسورة والتي تنص على أن مرور عدد من الأشخاص قرب نافذة مكسورة لم تُصلح يؤدي إلى اعتقادهم بعدم اهتمام أحد بهذا المكان، وانعدام وجود المسؤولية. وبسرعة، ستنكسر المزيد من النوافذ وتنتشر الفوضى من ذلك المبنى إلى الشارع المقابل مع إزسال إشارة بأن كل شيء ممكن. وقس على ذلك الخربشات على الجدران، والتسول، وغيرها مما تعد دعوات للمزيد من الفوضى والجرائم. "إن الجرائم الغير مهمة ظاهرياً هي نقاط التحول للجريمة العنيفة". والجانب الإيجابي من قوة السياق ونظرية النافذة المكسورة أنهما قابلتان للعكس، والتحويل من خلال إصلاح التفاصيل الصغيرة في البيئة المباشرة. وذكر الكاتب عدد من القصص يستدل بها على هذه النظرية واستخدامها ومنها قصة الخربشات المنتشرة وتذاكر المترو. 

    • الظروف الخارجية وتأثيرها على الحالة الداخلية: 

    ذكر الكاتب قصة قتل حدثت في القطار رقم ٢، والتحليلات التي دارت حول تفسير سلوك القاتل والأسباب التي دفعته للقيام بما قام به على الرغم من كونه شخص طبيعي. ووفقاً لسيرة حياته يبدو أن هذا الشخص ركز على العالم الخارجي ليتفادى التعاطي مع عالمه الداخلي. وهذا العالم الخارجي المحيط به كان يحمل الكثير من المظاهر والمواقف التي ولدت داخله إحساس قوي بأن النظام لا سلطة له وأنه لا يعمل مما دفعه عند نقطة التحول إلى أن يقوم بما قام به.حالتنا الداخلية انعكاس لظروفنا الخارجية". كما ذكر الكاتب قصة تجربة السجن الشهيرة التي أقيمت بجامعة ستانفورد من قبل مجموعة باحثين بقيادة الباحث زيمباردو في بداية السبعينات والتي أوقفت على الرغم من عدم انتهاء مدتها لفظاعة ما آلت إليه الأمور. استنتج زمباردو إن هناك أوضاع محددة قوية جداً لها القدرة على إن تطغى على ميولنا الفطرية. 

    وختم الكاتب حديثه في هذه الجزئية بعدما ذكر عدد من التجارب الأخرى وناقشها بأن الشخصية ليست عبارة عن مجموعة من الخصائص المترابطة وسهلة التحديد، إنما هي أشبه بمجموعة من الميول والعادات والاهتمامات المرتبطة ببعضها البعض والمتأثرة بالظروف والسياق والوقت. فالسبب الرئيسي وراء امتلاك أغلبية الناس لشخصية متناغمة هو أن معظمنا يجيد فعلاً السيطرة على البيئة المحيطة به. 

    • تأثير المجموعة على الفرد ومفهوم قدرة الحصر : 

     حينما نكون فرداً في مجموعة، فأننا نتعرض للعديد من الضغوطات من الزملاء، والمعايير الاجتماعية، وكل التأثيرات الأخرى التي تلعب دوراً أساسياً بداية الوباء. فلإحداث تغيير دائم في معتقدات الأشخاص، وسلوكهم، وجعله قدوة للآخرين، عليك إنشاء مجموعة حول هؤلاء الأشخاص حيث يمكن ممارسة تلك المعتقدات الجديدة، والتعبير عنها، وتعزيزها. كما أن نتذكر الأشياء التي شاركتها مع الآخرين يكون أسهل لأنه يصبح تجربة اجتماعية. 

    وهناك مفهوم في علم النفس الإدراكي يسمى بقدرة الحصر يشير إلى مقدار المساحة لأنواع معينة من المعلومات في أدمغتنا. وقد وجدت بعض التجارب والاختبارات المختلفة أن قدرة الحصر لدينا غالباً ما تدور حول الرقم السبعةتقريبا. فلو شربنا ٢٠ كوباً من الشاي بمقادير محتلفة من السكر في كل منها، ومن ثم طُلب منا فرزها إلى فئات حسب حلاوتها فغالباً ما سنتمكن من تقسيمها إلى ٦ أو ٧ فئات تقريباً قبل أن نبدأ بارتكاب الأخطاء. فنحن البشر نملك قدرة فكرية محددة لمعالجة المعلومات وكذلك لحصر المشاعر. فكما نملك قدرة حصر لمعالجة المعلومات فنحن نملك قدرة حصر اجتماعي كذلك. ومن المثير للاهتمام، أن الزيادة في حجم المجموعة التي تبلغ قدرة الحصر لدى الشخص، تولد لديه عبئاً اجتماعياً وفكرياً. ووفقاً لمعادلة دونبار، فإن الرقم ١٥٠ يمثل الحد الأقصى من الأشخاص الذين نسطيع إنشاء علاقات اجتماعية حقيقية معهم. وذكرت بعض التحليلات لبعض التجارب، أن المجموعة التي تضم أقل من ١٥٠ شخص يمكن ضبط السلوك فيها وينصاع أفرادها لتنفيذ الأوامر على أساس الإخلاص الشخصي والاحتكاكات المباشرة بين الأشخاص. فقوة ضغط وتأثير الزملاء في المجموعة لا تقارن بمفهوم المدير، فهي أقوى بعدة أضعاف. فالفرد في المجموعة يسعى دوماً لأن يكون على المستوى المتوقع منه

     

    • الفصل السادس والسابع: 

    شرح الكاتب عدد من القضايا الفعلية باستخدام فكرة الكتاب منطلقاً من الفكرة لأصحاب الخبرة، والموصلين، وعامل الالتصاق، والسياق في كلا الفصلين السادس والسابع. ومن تلك الأمثلة التي ناقشها في هذا الفصل:

    •  حادثة انتشار بذور الذرة الهجينة في غرين كاونتي في أياوا عام ١٩٢٨:

    على الرغم من وجود هذه البذور في ذلك العام، إلا أن عدد قليل من المزارعين بدأو باستخدامها عامي ١٩٣٢ و ١٩٣٣. هؤلاء المزارعين القلة هم ما يعرفون بالمبتكرين أو المغامرين، ومن تبعهم من المزارعين في استخدام البذور هم أول المتبنين، وهؤلاء هم زعماء الرأي في المجموعة، فقبل إقدامهم على اتخاذ القرار بشأن البذور راقبوا وحللوا ما فعله من سبقهم من المبتكرين ومن ثم لحقوا بهم (كلا المبتكرين وأول المتبنيين هم أشخاص حالمين يريدون تغييراً ثورياً، ويسعون لما يميزيهم نوعياً عن منافسيهم). وبعدهم تأتي المجموعة الكبيرة من المزارعين وهي ما تعرف بالأغلبية الأولى التي لا تقدم على تجربة شيء ما حتى يجربه أول المتبنين من السلسلة. وتلعب هذه المجموعة دوراً مهما في نقل (العدوى) وهي في هذه الحالة البذرة المعدلة للمتلكئين التقليديين الذين لا يرون سبباً ملحاً للتغيير.

    وهذا ينطبق على الشركات، والمنتجات، والأفكار، وغيرها من الأمور التي تنتقل بين الناس. 

    كما حلل الكاتب انتشار استخدام أحذية Hush Puppies المفاجئ، و الحملات الإعلانية لأحذية Air walk . 

    • طقوس الانتحار في ميكرونيسيا: 

     حلل الكاتب طقوس الانتحار في ميكرونيسيا والتي أصحبت شكل من أشكال التعبير عن الذات. بدأت الفكرة من انتحار شاب مسجون لكنها لم تتلقى رواجاً في المجتمع إلى أن انتحر شاب آخر غني كان يواعد امرأتين وأنجب من كل واحدة منهما طفلاً. تلاه رجل آخر انتحر جراء معاناته من مشاكل زوجية توالت بعدها حالات الانتحار حتى بلغت ٢٥ حالة. مع ازدياد حالات الانتحار تأصلت الفكرة في المجتمع وأصبحت ذات تأثير وتحولت من اللامعقول للمعقول واكتسبت بعداً مألوفاً أصاب الشباب من خلال روح التجربة والتقليد والتمرد. 

    • بالإضافة إلى ذلك، ذكر الكاتب عدد من الدراسات التي تتعلق بالتدخين وطرق واقتراحات لمحاربته بالإضافة إلى علاقته بالاكتئاب ونظريات حول ارتباطه بقوه بالمشاكل العاطفية والتفاعلات الكيميائية للدفاع للنيكوتين والأدمان عليه. ومن النقاط الجديرة بالذكر أن زيادة الحديث عن خطر التدخين والتحذير منه يزيد من رغبة المراهقين لتجربته. ولا تتعلق رغبة التجربة بالتدخين نفسه بقدر صورة الشخص المدخن في ذهن المراهق مما يجعل التدخين أمراً مثيراً يرغب بتجربته. ويميل المدخنون للكشف عن السلوك السيء بشكل أكبر ويكونون أكثر تمرداً وتحدياً ومجازفة. 
    • وتطرق الكاتب للحديث عن تأثير الأهل على سلوك الأطفال وذكر بأن الجينات تحدد نصف الطباع بينما تحدد العوامل الأخرى ( الأهل والرفاق ) النصف الآخر منها. وللرفاق تأثير أكبر من التربية على الفرد، فتأثير التربية يتوقف عندما يصل الشخص لسن الرشد.  

     

    • الفصل الثامن: 

    احتوى الفصل الثامن والأخير من الكتاب على الخلاصة والخاتمةسأذكر بعض الاقتباسات منها

    " البطء والثبات هما من يفوز في السباق."

    "نحن نتأثر بقوة محيطنا، بسياقنا الفوري، والشخصيات المحيطة بنا." 

    " بمجرد تحديد حجم المجموعة، نستطيع تحسين تقبلها للأفكار بشكل كبير. وبمجرد إصلاح طريقة تقديم المعلومات، نستطيع تحسين التصاقها. وبمجرد العثور والوصول لأولئك الأشخاص القلائل الذين يملكون الكثير من القوة الاجتماعية، نستطيع صياغة مسار الأوبئة الاجتماعية."

    " الطريقة التي تطور فيها المجتمع المراهق خلال السنوات الأخيرة زادت من إمكانية هذا النوع من العزل. لقد أعطينا المراهقين مزيداً من المال بحيث يمكنهم من بناء عالمهم الاجتماعي والمادي بسهولة أكبر. لقد أعطيناهم المزيد من الوقت لقضائه مع بعضهم ووقت أقل بصحبة الكبار. لقد أعطيناهم البريد الإلكتروني والأهم من ذلك الأجهزة الخلوية بحيث يستطيعون طوال اليوم سماع أصوات رفاقهم، فيما كانوا يسمعون قبلاً أصوات الكبار." 

    " قانون الوفرة. ففي الاقتصاد التقليدي تأتي القيمة من الندرة. إن الرموز التقليدية للثروة - أي الألماس والذهب - نفيسة لأنها نادرة. وحين يصبح الشيء النادر وفيراً - كما حصل مع النفط في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين - يفقد قيمته. لكن منطق الشبكة يعتمد العكس تماماً. فالقوة والقيمة تأتيان من الوفرة. فكلما ازداد عدد النسخ التي تصنعها لبرنامجك، ازداد عدد الأشخاص المنضمين إلى شبكتك، وأصبحت الأخيرة أكثر قوة." 

     

     

    ختاماً، الكتاب ثري بالتجارب والدراسات والقصص والتحليلات، وما ذكر اختصار شديد لتوصيل المفاهيم الأساسية وتوضيح الفكرة العامة. 

     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق